فنون العرب قبل الاسلام

» محمد حسين جودي
عدد الصفحات: 216
نوع التجليد: برش
رقم الطبعة: 2
لون الطباعة:
القياس (سم): 17x24
الوزن (كغم): 0.4
الباركود: 9789957060046
السعر : 12.50 $

إن الذي جدا بنا إلى كتابة هذا البحث هو ما نسمعه من أقوال بعض الحاقدين على العرب من المستشرقين والأعداء الصهاينة الذين يدعون أن ليس للعرب قبل الإسلام وبعده نشاط في العمارة والتصوير والنحت يستحق الذكر، وما العرب إلا بدو كانوا يجوبون الصحراء، وحين نضع هذا البحث بين يدي القارئ المتبصر نحاول أن نزيل ما عنده من تشكك في فن التصوير العربي. ونحب أن نشير في هذا السياق الى أن العرب في عصور مختلفة في الفترة التي سبقت الإسلام وبعده قدموا عطاءات فنية كثيرة، وسرعان ما تطورت حضارتهم تطوراً كبيراً بفعل القوة الفكرية والمهارة الفنية في العصور الوسيطة.  وتكاد تجمع معظم المؤلفات، التي كتبها الباحثون والمتخصصون في الفنون العربية الاسلامية بصورة قطعية أن العرب كانت لهم عطاءات كثيرة في فن التصوير، والفنون الأخرى، في الفترة السابقة للإسلام، وعلى هذا الأساس فإن العربية كانت مصدراً للإلهام الفني الذي استقى العرب منه أصول الفن، والأساليب الفنية التي نمت وإزدهرت في العصور الإسلامية المختلفة، بحيث انتفع الفن الإسلامي من الفنون العربية التي كانت قائمة في اليمن والجزيرة العربية قبل الإسلام.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن العرب الذين سكنوا الحيرة قبل الإسلام مارسوا فن التصوير، وهذا ما تؤيده جملة من الأخبار الأدبية والتاريخية، فيذكر (ياقوت الحموي) في معجم البلدان (مادة دير نجران) أن أهل المنذر كانوا يجعلون من حيطان ديارهم الفسافس وسقوفها الذهب والصور، ويتضح من أساليب الرسوم، والنقوش المائية الجدارية (الفريسكو) (Fressco) المكتشفة في الحيرة أنها تتفق وأساليب الصور الآدمية والحيوانية التي وجدت في مباني (كيش) التي لا تبعد أكثر من ثلاثين ميلا عن الحيرة.  وجاء عن أخبار مكة (للأزرقي) وجود الصور الجدارية في جدران الكعبة، وسقوفها ملونة بألوان زاهية كصورة إبراهيم عليه السلام، كما يذكر ذلك السعودي في كتابه ( مروج الذهب). 

وكان للعرب نشاط فني واسع في (الحضر)، و(البتراء)، و(مديان)، و (مـوءاب)، الجارتين الجنوبية والشمالية (لأدوم) في الأردن، المملكتين، و (تدمر) و ((أوابدا)، و (دورا)، و(طيسفون)، و(الحيرة)، وغيرها من المدن العربية نشاط فني واسع كذلك. ومدينة الحضر كانت واقعة تحت تأثير الحضارة الآرامية المسترفدة ينابيعها من اقسم الشمالي من العراق في الحضارة الآشورية.

وتعد الحضر بحكم موقعها ولوقت ما، وريثة لنينوى وآشور، وانتقل اليها ما تبقى من التراث الأشوري. أما تدمر فقد كانت واقعة أكثر من غيرها تحت وطأة حضارة الرومان، ووجدت نقوش نافرة على إفريز قديم تمثل ثلاث نساء رسمت بصورة متجردة تكاد تحاكي الأسلوب الحديث، وقد ظهرت تلك النسوة وراء محمل يشبه محمل الحج عند العرب، واما البتراء التي تقع في حنوب الأردن قرب وادي مؤسى، والتي أقام الأنباط فيها في فترة ما قبل التاريخ (العصر الحديدي)، كانت لهم فنونهم وابنيتهم وكتاباتهم ولغتهم وملوكهم وآلهتهم، ثم جاء هجوم اليونانيين والاحتلال الروماني سنة 106 (ب. م) بعد الميلاد.  وكانت هناك لوحات جدارية بسيطة تمثل أهل القصور في مجالسهم وصيدهم في بلاد اليمن، ويذكر (أو محمد الهمداني) في كتابه (الإكليل) عن مأرب، وهي من أشهر مدن اليمن بانها ذات أسوار وأبراج ولها أربعة أبواب، وميدان كبير في الوسط، وفيها قصور فخمة كالمهجر والقشيب وقصر غمدان، ويذكر في النحت بأنه كانت لها مكانة بارزة في العمارة اليمنية القديمة قبل الإسلا، حيث نجد أشكالاً بشرية وحيوانية ونباتية محفورة من المرمر، وأبدعوا في نحت رأس الثور أيما إبداع، ولم يجارهم شعب آخر من شعوب الشرق الأدنى القديم فيه، ويصف الشاعر العباسي الوليد بن عبيد البحتري الرسوم التي تمثل الموسقيين وصور المعارك بين الفرس والرومان ويصف الفرسان برماحهم وسيوفهم وصور المعارك بين الفرس والرومان ويصف الفرسان برماحهم وسيوفهم وألبستهم الملونة بالخضراء والصفراء التي كانت مرسومة على حيطان (إيوان المدائن) طيسفون التي تعد وارثة لبابل بما يزيد على أربعة قرون، وتعد آنذاك من أعظم بلدان الشرق، وأصبحت تحت حكم الساسانيينز 

وهكذا فإن ألافاً من المباني التي تزينها الصور قد اندثرت وتلفت بفعل الرطوبة، وملوحة تربة الأرض، واختفت معها بعض حلقات التطور في التصوير العربي. 

ومع الأسف لم يراع الباحثون من المستشرقين هذه الحقيقة في أبحاثهم ودراساتهم مما جعل بعضهم يلتمس المصادر المعادية للعرب التي فيها تخريب متعمد لأنشطة العرب بدلاً من أن يحاولوا البحث عنها في البلدان العربية عن الحلقة المفقودة من حلقات تطور فن التصوير عند العرب قبل الإسلام، وإلى جانب ذلك فإنهم يتناولون الموضوع بعيداً عن الواقع عندما ينسبون معظم الأصول الفنية إلى شعوب أجنبية، فإن دل هذا على شيء فإنما بدل على قصد مخرب، وتعمد واضح في توجيه البحث نحو التقليل من قيمة جهود العرب في تشكيل الفنون. 

ومع إيماننا بأن حضارات العرب ومصر القديمة، وحضارات الشام والجزيرة العربية، وشمالي افريقيا السابقة للإسلام كانت المصدر الرئيس الذي استقت منه الفنون الإسلامية الكثير من عناصرها، فإن تأثر الغنون العربية بالأساليب الأجنبية المختلفة لم يكن كبيراً إلى الدرجة التي يبالغ فيها المستشرقون والباحثون. إن التقاليد الفنية العربية القديمة بقيت واضحة المعالم في الفن العربي الإسلامي، وقد حقق العرب ابتكارات واسعة في الفنون جاءت محققة لرغباتهم وحاجاتهمن وكانت من الحيوية بمكان بحيث أثرت في فنون الحضارات الأخرى المجاورة. 

وهذا الكتاب يتيح الفرصة للقارئ الكريم أن يتذكر من خلال مطالعته له فنون الحضارات العربية القديمة قبل الإسلام، وأثرها العظيم في تنوير العالم المتقدم بأعمالها الفنية، وما تحمله من طاقات فكرية، واكتشافات، وإمكانيات مبدعة في حقل الرسم والنقش على الجدران، والأواني الفخارية التي صنعتها الشخصية الفنية العربية المتميزة. 

لقد ساهمت هذه الشخصية في إغناء العالم والتاريخ بمحصول إبداعها وكشوفها، فتناول الفنانون في العالم ثمراتها الناضجة التي دفعتهم إلى التجرد من القيود الكلاسيكية القديمة المنظورية الجافة، فتفتحت لهم أبواب واسعة، وإذا بهم ينطلقون إلى اختراعات وإبداعات لم تم على خواطر الناس من قبل وفتحت لهم عالماً جديداً وضيئاً، وظهرت أعمالهم الفنية وهي مستخلصة من حضارات أجدادنا، ولذا كان من حقنا أن نفتخر بحضارتنا القديمة، وما قدمته من إنجازات رائعة في مجالات العلوم والفنون والأداب والصناعات اليدوية المختلفة. 

وفي الختام، آمل أن يحقق هذا الكتاب الفائدة المرجوة لطلبة المعاهد والجامعات والدراسات العليا والقارئ. 


الرجوع