يعد الاتصال من أبرز الأدوات التي يستخدمها الإنسان لتساعده على التكيف مع متطلبات الحياة. والمعرفة الرياضية التي تلزم الأفراد لاستكمال علومهم في معظم التخصصات الأخرى تلزمهم أيضا في حياتهم اليومية بما توفره لهم من أدوات للتفاعل والاتصال لتكون لديهم القدرة على حل المشكلات اليومية التي يواجهونها بطريقة علمية موضوعية بعيدة عن التعصب والتسرع والعشوائية ولذا تحتل الرياضيات في التعليم مكانة متميزة تستخدمها من مساهمتها الفعالة في تحقيق الأغراض المحددة للتعلم، فالرياضيات ليست مجرد وسيلة لمساعدة الإنسان على التفكير وحل المشكلات والوصول إلى النتائج، ولكنها وسيلة هامة جدا في تبادل الأفكار بوضوح ودقة.
ويعيش الناس في عالم اتصالي، ينظرون إلى اتصالهم هذا على أنه منحة مستحقة لهم وشيء ضروري لا غنى عنه، فالإنسان يمضي يومه متحدِثا ومتحدَثا إليه وكاتبا وقارئا ومستجيبا للعديد من الرموز.
وإن أهم ما يميز الرياضيات المعاصرة أنها نوع رائع من الكتابة المختصرة، وأنها تستخدم لغة ورموزا موحدة؛ فعلماء الرياضيات في مختلف دول العالم، يستخدمون نفس اللغة والرموز الرياضية، التي مكنتهم من التواصل الرياضي فيما بينهم. ولقد تعددت صيغ وسياقات استخدام لغة الرياضيات، فهناك اللغة المقروءة لقراءة النصوص الرياضية وفهم دلالات الرموز والمصطلحات والأشكال والرسومات والتمثيلات البيانية. وهناك اللغة المكتوبة للتعبير عن الأفكار والمصطلحات والنظريات ووصف إجراءات حل المسائل الرياضية، وتقويمها وتحليلها. وهناك اللغة المحكية للتعبير عما نسمعه بوضوح، وتفسير ما يعبر عنه الآخرون بصورة رياضية صحيحة، واستخدام لغة شفهية وصيغ رياضية صحيحة للتعبير عن الأفكار الرياضية.
ولأن تعلم الرياضيات وتعليمها لا يخلو من فرص التواصل الرياضي بصوره وأشكاله المتنوعة، فإنه ينبغي أن يهتم معلمو الرياضيات وواضعو المناهج ومؤلفو كتب الرياضيات المدرسية بتنمية أنماط التواصل الرياضي ومهاراته، حيث يعد التواصل الرياضي أحد أهم أهداف تعليم الرياضيات في مراحل التعليم العام، وهو أحد مكونات المقدرة الرياضية التي تمكن الطلبة من استخدام لغة الرياضيات عند مواجهة موقف مكتوب أو مرسوم أو مقروء أو ملموس، وتفسيره وفهمه من خلال المناقشات الرياضية الشفهية أو المكتوبة.
إن طبيعة الرياضيات تختلف عن الاعتقادات التي سادت حول كونها مجردة، خالية من الحس في العصور السابقة، فبات من الواضح بعد ظهور الأنظمة التكنولوجية الحديثة -والتي قامت بمهام كثيرة بدلاً من الإنسان- أن النظر إلى الرياضيات في ضوء الاتجاهات الحديثة أن تحولت الرياضيات من هذه المنظومة المجردة إلى نظام متسق يهدف إلى تنمية التفكير والتواصل والقدرة على مواجهة المشكلات، ومن أهم خصائص هذا النظام الاستمرارية في النمو والتفسير كأحد الخصائص الهامة للإنسان. وفي نظرة إلى الواقع نرى أن تعلم الرياضيات يواجه اتجاهات سلبية وعزوفاً وتدنياً في التحصيل، يعبر عنه المعلمون بوضوح جلي في جميع المراحل التعليمية، ويدرك ذلك الأهل والمشرفون والتربويون الرياضيون، وهذا التدني يظهر بوضوح في فرع الحساب المبني على الأعداد والعمليات عليها، وهناك أسباب كثيرة ومتداخلة لهذه المشكلة، وربما يعود بعضها إلى أسلوب المعلمين المتبع في التدريس الذي يقوم على التمرين والتكرار دون معنى وفهم ومعرفة واعية، مما يؤدي إلى اقتصار اعتماد الطالب على الإجراءات والمهارات الميكانيكية وإهمال الفهم والتفكير والتأمل وإهمال الحس العددي والاكتفاء بحفظ الحقائق والمفاهيم ميكانيكيا دون معنى.